فصل: بيع الغرر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.البيع مع استثناء شيء معلوم:

يجوز أن يبيع المرء سلعة ويستثني منها شيئا معلوما، كأن يبيع الشجر ويستثني منها واحدة، أو يبيع أكثر من منزل ويستثني منزلا، أؤ قطعة من الأرض ويستثني منها جزءا معلوما.
فعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا إلا أن تعلم.
فإن استثنى شيئا مجهولا غير معلوم لم يصح البيع، لما يتضمنه من الجهالة والغرر.
ايفاء الكيل والميزان يأمر الله، سبحانه، بإيفاء الكيل والميزان فيقول: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط}.
ويقول: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا}.
وينهى عن التلاعب بالكيل والوزن وتطفيفهما فيقول:
{ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}.
ويندب ترجيح الميزان:
عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالاجر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زن وأرجح» أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال الترمذي حسن صحيح.

.السماحة في البيع والشراء:

روى البخاري والترمذي عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى».

.بيع الغرر:

بيع الغرر هو كل بيع احتوى جهالة أو تضمن مخاطرة أو قمارا، وقد نهى عنه الشارع ومنع منه، قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا.
ويستثنى من بيع الغرر أمران:
أحدهما: ما يدخل في المبيع تبعا، بحيث لو أفرد لم يصح بيعه، كبيع أساس البناء تبعا للبناء واللبن في الضرع تبعا للدابة.
والثاني: ما يتسامح بمثله عادة، إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه، كدخول الحمام بالاجر مع اختلاف الناس في الزمان، ومقدار الماء المستعمل، وكالشرب من الماء المحرز، وكالجبة المحشوة قطنا.
وقد أفاض الشارع في المواضع التي يكون فيها.
وإليك بعضها حسب ما كانوا يتعاملون به في الجاهلية.
1- النهي عن بيع الحصاة: فقد كان أهل الجاهلية يعقدون على الأرض التي لا تتعين مساحتها ثم يقذفون الحصاة حتى إذا استقرت كان ما وصلت إليه هو منتهى مساحة البيع. أو يبتاعون الشئ لا يعلم عينه، ثم يقذفون بالحصاة فما وقعت عليه كان هو المبيع. ويسمى هذا بيع الحصاة.
2- النهي عن ضربة الغواص: فقد كانوا يبتاعون من الغواص ما قد يعثر عليه من لقطات البحر حين غوصه، ويلزمون المتبايعين بالعقد فيدفع المشتري الثمن ولو لم يحصل على شئ، ويدفع البائع ما عثر عليه ولو أبلغ أضعاف ما أخذ من الثمن. ويسمى هذا ضربة الغواص.
3- بيع النتاج: وهو العقد على نتاج الماشية قبل أن تنتج، ومنه بيع ما في ضروعها من لبن.
4- بيع الملامسة: وهو أن يلمس كل منهما ثوب صاحبه أو سلعته فيجب البيع بذلك دون علم بحاله أو تراض عنها.
5- بيع المنابذة: وهو أن ينبذ كل من المتعاقدين ما معه، ويجعلان ذلك موجبا للبيع دون تراض منهما.
6- ومنه بيع المحاقلة: والمحاقلة بيع الزرع بكيل من الطعام معلوم.
7- ومنه بيع المزابنة: والمزابنة بيع ثمر النخل بأوساق من التمر.
8- ومنع بيع المخاضرة: والمخاضرة بيع الثمرة الخضراء قبل بدو صلاحها.
9- ومنه بيع الصوف في الظهر
10- ومنه بيع السمن في اللبن.
11- ومنع بيع حبل الحبلة:
ففي الصحيحين: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فهذه البيوع وأمثالها نهى عنها الشارع لما فيها من غرور وجهالة بالمعقود عليه.

.حرمة شراء المغصوب والمسروق:

يحرم على المسلم أن يشتري شيئا وهو يعلم أنه أخذ من صاحبه بغير حق، لأن أخذه بغير حق ينقل الملكية من يد مالكه، فيكون شراؤه له شراء ممن لا يملك، مع ما فيه من التعاون على الاثم والعدوان.
روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اشتري سرقة وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها».
بيع العنب لمن يتخذه خمرا وبيع السلاح في الفتنة لا يجوز بيع العنب لمن يتخذه خمرا، ولا السلاح في الفتنة ولا لاهل الحرب، ولا ما يقصد به الحرام.
وإذا وقع العقد فإنه يقع باطلا: لأن المقصود من العقد هو انتفاع كل واحد من المتبايعين بالبدل، فينتفع البائع بالثمن وينتفع المشتري بالسلعة.
وهنا لا يحصل المقصود من الانتفاع لما يترتب عليه من ارتكاب المحظور، ولما فيه من التعاون على الاثم والعدوان المنهي عنهما شرعا، قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حبس العنب أبام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا، فقد تقحم النار على بصيرة».
وعن عمر بن الحصين قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة» أخرجه البيهقي.
قال ابن قدامة: إن بيع العصير لمن يعتقد أن يتخذه خمرا محرم، إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع ويبطل إذا علم قصد المشتري بذلك، إما بقوله وإما بقرائن مختصة به.
فإن كان محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم حاله، أو من يعمل الخمر والخل معا، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز.
وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام، كبيع السلاح لاهل الحرب، أو لقطاع الطريق أو في الفتنة...أو إجارة داره لبيع الخمر فيها وأشباه ذلك. فهذا حرام، والعقد باطل. اه.

.بيع ما اختلط بمحرم:

إذا اشتملت الصفقة على مباح ومحرم.فقيل: يصح العقد في المباح، ويبطل في المحظور.
وهو أظهر القولين للشافعي، ومذهب مالك.
وقيل: يبطل العقد فيهما.

.النهي عن كثرة الحلف:

1- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحلف فقال: «الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة» رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة.
لما يترتب على ذلك من قلة التعظيم لله، وقد يكون سببا من أسباب التغرير.
2- وعند مسلم: «إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق».
3- وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن التجارهم الفجار، فقيل: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: نعم، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون» رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
4- عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان».
قال: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عزوجل:
{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لاخلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}. متفق عليه.
5- روى البخاري أن اعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الاشراك بالله.
قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس، قال: وما اليمين الغموس؟ قال: الذ يقتطع مال امرئ مسلم، يعني بيمين هو فيها كاذب.
وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم، ولا كفارة لها عند بعض الفقهاء، لأنها لشدة فحشها وكبر إثمها لا يمكن تداركها بالكفارة.
6- وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك». رواه مسلم.

.البيع والشراء في المسجد:

أجاز أبو حنيفة البيع في المسجد، وكره إحضار السلع وقت البيع في المسجد تنزيها له. وأجاز مالك والشافعي مع الكراهة.
ومنع صحة جوازه أحمد وحرمه.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك».

.البيع عند أذان الجمعة:

البيع عند ضيق وقت المكتوبة وعند أذان الجمعة حرام، ولا يصح عند أحمد لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
والنهي يقتضي الفساد بالنسبة للجمعة، ويقاس عليها غيرها من سائر الصلوات.

.جواز التولية والمرابحة والوضيعة:

تجوز التولية والمرابحة والوضيعة. ويشترط أن يعرف كل من البائع والمشتري الثمن الذي اشتريت به السلعة.
والتولية، هي البيع برأس المال دون زيادة أو نقص.والمرابحة، هي البيع بالثمن الذي اشتريت به السلعة مع ربح معلوم. والوضيعة، هي البيع بأقل من الثمن الأول.

.بيع المصحف وشراؤه:

اتفق الفقهاء على جواز شراء المصحف واختلفوا في بيعه.
فأباحه الائمة الثلاثة، وحرمته الحنابلة، وقال أحمد: لا أعلم في بيع المصاحف رخصة.

.بيع بيوت مكة وإجارتها:

أجاز كثير من الفقهاء، منهم الاوزاعي والثوري ومالك والشافعي.
وقول لابي حنيفة.

.بيع الماء:

مياه البحار والأنهار وما يشابهها مباحة للناس جميعا لا يختص بها أحد دون أحد، ولا يجوز بيعها ما دامت في مقارها.
وفي الحديث: يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الناس شركاء في الماء والكلا والنار» فإذا أحرزها إنسان أو حفر بئرا في ملكه أو وضع آلة يستخرج بها الماء أصبحت ملكا له ويجوز له حينئذ بيع الماء، ويكون في هذه الحال مثل الحطب المباح أخذه، الذي يحل بيعه بعد إحرازه.
وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لئن يحتطب أحدكم حزمة من حطب فيبيعها خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».
وثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة وفيها بئر تسمى بئر رومة، يملكها يهودي ويبيع الماء منها للناس، فأقره على بيعه وأقر المسلمين على شرائهم منه، واستمر الأمر على هذا حتى اشتراها عثمان رضي الله عنه وحبسها على المسلمين.
وبيع الماء يجري حسب ما يجري عليه العرف، إلا إذا كان هناك مثل العداد فإنه يحتسب به القدر المبيع.